علاقة الماركسية التحررية باللاسلطوية (الأناركية)

واين برايس

ترجمة : مازن كم الماز

إنني أجد مرة تلو أخرى أن الاستنتاجات التي توصلت إليها ببطء و بشكل غير كامل كان قد جرى التعبير عنها بالفعل بشكل كامل و بشكل واضح (و يمكنني القول أيضا , بشكل جميل) من قبل كارل ماركس . هكذا كنت أنا أيضا ماركسيا ! لقد عزمت رأيي بسعادة , لأنه من الممتاز أن تنتمي إلى إرث ما و أن يكون لديك أصدقاء أذكياء . هذا ماركس كعالم نفس اجتماعي . لكن فيما يتعلق بالعمل السياسي لم يبد لي أبدا أن شعارات الماركسيين , و لا حتى شعارات ماركس نفسه , قد أدت إلى اشتراكية أخوية (أي تتطلب غياب الدولة أو أية قوة إكراه أخرى) , بل لقد دفعت الأمور بعيدا عنها . كان باكونين أفضل . أتفق في هذا مع كروبوتكين . (بول غودمان , 1962 , ص 34) .

الانبعاث العالمي الحالي للاسلطوية (للأناركية) ينسب إلى تراجع الماركسية . لكن يبقى هناك تيار في الماركسية (الماركسية التحررية أو الداعية إلى الاستقلال الذاتي Autonomist) يشعر اللاسلطويون (الأناركيون) أنهم قريبون منه و الذي يعبر أنصاره عن قربهم من اللاسلطوية . تسمح سمات هذا التيار التحررية – الديمقراطية , الإنسانية , للاسلطويين (الأناركيين) باستخدام جوانب قيمة في الماركسية (مثل تحليلها الاقتصادي أو نظرية صراع الطبقات) . لكنه ما يزال يحتوي على نقاط الضعف الرئيسية في الماركسية . و بطريقة معينة ما يزال يضم نفس نقاط ضعف اللاسلطوية (الأناركية) نفسها , عوضا عن أن يكون بديلا عنهما . لهذه النسخة من الماركسية الكثير لتقدمه للاسلطويين (الأناركيين) لكنها ما تزال ناقصة في الأساس , كما سأظهر فيما يلي .

من الثلاثينيات حتى الثمانينيات على الأقل كانت اللاسلطوية (الأناركية) هامشية في اليسار الأممي الذي سيطرت عليه الماركسية . بينما بدأت الستينيات في الولايات المتحدة بنداءات لديمقراطية تشاركية” , فإنها انتهت بهتافات مثل هو , هو , هوشي منه , جبهة التحرير الوطني (الفيتنامية) ستنتصر!” و دعوات لكتاب ماو الأحمر الصغير – أي بدعم الدول الستالينية البربرية . حتى الجوانب التحررية في الماركسية – مثل تنظيم الطبقة العاملة أو هدف مجتمع لا يوجد فيه استلاب – جرى تجاهلها .

لكن جدار برلين سقط في عام 1989 و سرعان ما تبعه الاتحاد السوفيتي . تبنت الصين رأسمالية صريحة قائمة على السوق . لقد فقدت الثقة في الماركسية إلى حد كبير . لكن الرأسمالية العالمية لم تتحسن – كان سقوط رأسمالية الدولة الروسية في الواقع جزءا من الأزمة العالمية للرأسمالية . لذلك فإن الجزء الكبير من المعارضة الصاعدة , التي تألفت في الماضي من تنويعات مختلفة من الماركسية شق طريقه في الوقت الحاضر إلى الراديكالية البديلة , إلى اللاسلطوية (الأناركية) .

جاء تاريخ الهزيمة و الخيانة من جانب الماركسية في موجتين كبيرتين . اعتبارا من وقت أنجلز تم تشكيل أحزاب اشتراكية ديمقراطية في أوروبا . مع إستراتيجية لا تتجاوز انتخابها إلى البرلمان , قامت هذه الأحزاب ببناء أحزاب جماهيرية و نقابات بيروقراطية حتى انهار كل شيء في الحرب العالمية الأولى , دعمت عندها معظم هذه الأحزاب حكوماتهاالإمبريالية و قاتلت ضد رفاقها الأعضاء في الأممية الاشتراكية . و بعد الحرب العالمية الأولى عارضت الثورة الروسية و عملت على تخريب الثورات في بلادها , خاصة في ألمانيا . و فشلت في الثلاثينيات في محاربة الفاشية , خاصة النازية . و دعمت بشكل غير مشروط إمبريالية الحلفاء في الحرب العالمية الثانية , ثم أصبحوا عملاء لإمبريالية الولايات المتحدة في الحرب الباردة . الآن فإن الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية و الأحزاب العمالية الأوروبية قد تخلت بالكامل عن أي إيمان بشكل جديد للمجتمع , داعية إلى شكل رخو من الليبرالية , إن لم تكن النيوليبرالية نفسها دون أي تحفظ .

أثناء الحرب العالمية الأولى صمم لينين , تروتسكي و آخرون على أن يقوموا ببداية جديدة , أن يعودوا إلى الجذور الثورية للماركسية في أممية جديدة . النتيجة , كما هي معروفة , كانت رأسمالية الدولة الستالينية في روسيا , و خلق الأحزاب الستالينية في كل مكان . لقد فشل الستالينيون تماما في قيادة ثورات الطبقة العاملة في أوروبا أو في أي مكان آخر (الذي كان الهدف الأصلي لمشروعهم) . أقيمت دول الأحزاب الشيوعية الجديدة فقط بواسطة الجيش الروسي أو بواسطة جيوش فلاحية يقودها مثقفون من الطبقات الدنيا – أي بواسطة قوى خارج الطبقة العاملة . بعد أن خلقت أكواما من الجثث , غرقت رأسمالية الدولة الروسية في انعدام كفاءتها و انهارت في نهاية المطاف . إن إرثها هو بؤس أوروبا الشرقية و جزء كبير من آسيا . الأحزاب الشيوعية القائمة ليبرالية بنفس درجة الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية القائمة .

إضافة إلى هذين الفشلين الكبيرين للماركسية , كانت محاولة تروتسكي لإعادة خلق الماركسية اللينينية في أممية رابعة جديدة فشل آخر . التيارات التروتسكية المختلفة اليوم هي تنويعات (تفرعات) من الستالينية , القومية , و – أو الإصلاحية الاشتراكية الديمقراطية .

سيبدو أن هذا التاريخ سيشكك (سيؤدي لفقد الثقة) في الماركسية . فبعد كل شيء ليست الماركسية مجرد أفكار جيدة , مثل المسيحية . بل يفترض بها أن تكون ممارسة , نظرية و ممارسة . كما نقل عن أنجلز كثيرا , “إن إثبات وجود الحلوى هو في أكلها” . فإن الفشل الكبير سيشكك فيها بالتأكيد .

لكن الماركسية ما تزال تملك جاذبية ما في اليسار , خاصة مع تلاشي ذكريات الشيوعية القائمة على رأسمالية الدولة . إن لديها جسد نظري – مكتبات بأكملها من النظرية – و تاريخ من التجارب في كل الثورات الكبرى اعتبارا من عام 1848 . اللاسلطوية (الأناركية) على الطرف الآخر محدودة في نظريتها بشكل سيء السمعة , و خبرتها الثورية محدودة . لذلك فإن الكثير من اللاسلطويين (الأناركيين) يبحثون عن تيار في الماركسية قد يكون متوافقا مع ما هو هام في اللاسلطوية (الأناركية) .

تيار الأقلية هذا في الماركسية سمي بالماركسية التحررية أو بعد هاري كليفر الماركسية القائمة على التسيير الذاتي Autonomist (ليس للتحررية هنا ما يجمعها بالليبرتاريين الأمريكان اليمينيين أنصار الملكية الخاصة) . التيارات المشاركة تاريخيا فيها هي الشيوعيون المجالسيونالأوروبيون بعد الحرب العالمية الأولى , و تيار جونسون – فوريست” (سي ل ر جيمس و رايا دونايفيسكايا) في الأربعينات و الخمسينيات الذي انشق عن الحركة التروتسكية كما كان حال مجموعة كورنيليوس كاستورياديس اشتراكية أو بربرية في فرنسا . كان هنا أيضا الموقفيون الفرنسيون , و حركات التسيير الذاتيالألمانية و الإيطالية الأخيرة . (من المثير للاستغراب أنني وجدت فقط إشارات نادرة في الولايات المتحدة لويليام موريس , الماركسي البريطاني الطوباوي الكبير في ثمانينيات القرن التاسع عشر) . ما يزال أنصار دونايفيسكايا ينشطون في لجنة الأخبار و الرسائل . كان كاستورياديس خاصة مثير للاهتمام في أنه و مجموعته انتقلوا من الماركسية التحررية إلى خارج الماركسية (كورتيز , 1997 , دونايفيسكايا 1992 , راتكليف 1976) .

ينظر كثير من اللاسلطويين (الأناركيين) بشكل إيجابي لهذه التيارات من الماركسية التحررية . نعوم تشومسكي في مقدمته لكتاب (دانييل غورين) عن اللاسلطوية (الأناركية) اقتبس عن أنطون بانيكوك عن الشيوعيين المجالسيين و استنتج أنه في الواقع , فإن الماركسية الراديكالية تندمج مع التيارات اللاسلطوية (الأناركية)” (1970 , الصفحة XV) . بعض الماركسيين يرفضون هذه الصلة . أنطونيو نيغري المفكر الرئيسي لحركة التسيير الذاتي الإيطالية أعلن في كتابه الهام الإمبراطورية , ” .. نحن لسنا لاسلطويين (أناركيين) , بل شيوعيين” (هاردت و نيغري , 2001 , ص 350) . لكن كليفر و هو ماركسي داعي للتسيير الذاتي (ربما يكون هو من اخترع هذا التعبير) كتب مقالة في عام 1993 دافع فيه عن تشابهاتقوية بين كروبوتكين و ماركسية كليفر . كتب اثنان من مؤيدي س ل ر جيمس يمكن للماركسية أن تعني أي شيء من اللاسلطوية التحررية إلى الديكتاتورية الستالينية الشمولية . إننا نذهب في الاتجاه الأول ..” (Glaberman and Faber , 1998 , ص 2) . بمعنى من المعاني فإنها الفرصة الأخيرة للماركسية لتثبت أنه يمكنها أن تكون تحررية أو صادقة على الأقل .

قد يتفق اللاسلطويون (الأناركيون) أو لا يتفقون مع الكثير من تحليل ماركس الاقتصادي أو السياسي . بالنسبة للاسلطويين (للأناركيين) ما هو الأكثر إيجابية فيما يتعلق بهذه الاتجاهات التحررية في الماركسية هو الإيمان بالنشاط (الفعالية) الذاتي للطبقات العاملة . أنها ترفض فكرة أن نخبة (في شكل حزب ما) يمكن أن تكون بديلة عن العمال و تستولي على السلطة باسم العمال . عوضا عن ذلك يؤكدون على خلق مجالس عمالية و شعبية تلك التي ظهرت في كل صعود ثوري (1975 , Root and Branch) . يشعرون أنه يجب على هذه المجالس أن تتحد كسلطة جديدة تحل مكان أشكال الدولة القديمة . عوضا عن التركيز على سياسة قمة النقابات البيروقراطية الكبيرة فإنهم ينظرون إلى النضالات على أرض المعمل , مظهرين كيف تؤثر مبادرات العمال على عملية الإنتاج بطريقة يومية . (1998 , Glaberman and Faber) . إنهم يدرسون كيف يمكن للإضرابات الجماهيرية أن تبدأ , أبعد من الحدود التي يضعها موظفو النقابات (1972 , Brecher) . كان اهتمامهم منصبا على إبداع الطبقة العاملة و كل المضطهدين , الذي سماه نيغري و كليفر بإثبات الذات” . بعض أهم الأفكار الثورية القيمة عن تحرر السود طورها سي ل ر جيمس – رغم أن هذه الأفكار قد طورت غالبا قبل أن ينهي علاقته بالتروتسكية (1996 , McLemee) .

أثناء الكساد الكبير و الحرب الباردة , عندما كان اللاسلطويون (الأناركيون) قلة , أبقى الماركسيون الداعون للتسيير الذاتي أفكار الإبداع الذاتي للعمال حية . حافظوا على معارضة ثورية للستالينية و الرأسمالية الغربية في نفس الوقت . لقد حللوا الستالينية بشكل صحيح على أنها رأسمالية دولة , و ليس نوعا ما من مجتمع يتقدم نحو الاشتراكية (دولة عمال منحطة , مجتمع بعد رأسمالي , دولة انتقالية , الخ) . أعلنوا أن انتعاش الرأسمالية بعد الحرب العالمية الثانية كان ناقصا بشكل أساسي . و توقعوا أنه سيتوقف في نهاية المطاف – كما جرى في الستينيات (1969 , Mattick) . يمكن للاسلطويين (الأناركيين) أن يقدروا هذا كله .

أراد الماركسيون التحرريون أن يعيدوا تفسير الماركسية بعيدا عن النسخ الأرثوذكسية التي درسها الاشتراكيون الديمقراطيون أو الستالينيون . يرى التيار السائد في الماركسية أن العملية التاريخية تسير بشكل آلي (أوتوماتيكي) , مرحلة تتلوها مرحلة أخرى , أطروحة يتلوها نقيضها , حتى تصل الرأسمالية مرحلتها الأخيرة (التي يشار إليها بشكل متفائل بالرأسمالية الأخيرةأو المرحلة الأخيرة للرأسمالية“) , ليتلوها بصورة صارمة (جامدة) الاشتراكية و من بعدها الشيوعية . التاريخ بالنسبة للماركسيين الأرثوذوكسيين هي شيء ما يقع (أو يحدث) للناس في معارضة شيء ما يفعله الناس . بالنسبة لهم فإن الوعي الطبقييعني أن العمال يصبحون مدركين لما يتعين (يفرض) عليهم فعله من قبل الصيرورة التاريخية . يقتبس القول التالي من هيغل أحيانا , “الحرية هي وعي الضرورة” . يتحدثون غالبا عن الاشتراكية على أنها حتمية” , فإن منظرو التيار السائد في الماركسية يرون الاشتراكية كنتيجة حتمية لصيرورة آلية أو ميكانيكية للتطور الاجتماعي . خصوم الماركسية من اليمين و اليسار أوضحوا بالطبع أنه حتى لو بدا شيء ما حتميا فإن هذا لا يعني أن يجب أن يكون مرغوبا . ما الذي في الاشتراكية الذي يجب على العمال أن يناضلوا و يضحوا في سبيله (ناهيك عن سواهم) ؟ الماركسية الأرثوذوكسية لا تجيب على هذا السؤال .

محاولات الماركسيين التحرريين للتخلص من آلية (ميكانيكية) الماركسية (و التي سوف أشير إليها) لم تكن ناجحة تماما . لا يمكن أن تكون ناجحة تماما , حيث أنها ليست تفسيرا خاطئا للماركسية بل جزء مركزي من ماركسية ماركس . كل فكرة (كتاب) رأس المال هي أن الاشتراكية يجب أن تقع . لكن يمكنك أن تقرأ مجلدات من كتابات ماركس (و قد فعلت هذا بالفعل) دون أن تجد أي عبارة لماذا أن الاشتراكية جيدة أو تستحق أن نسعى إليها . لكن ماركس كتب الكثير من النقد للطوباويين و اللاسلطويين (الأناركيين) لأنهم تقدموا بأسباب أخلاقية دعما للاشتراكية .

هذا الفهم الميكانيكي و اللاأخلاقي للماركسية كان له نتائجه السلبية . بالنسبة للبلاشفة أصبح هذا الفهم سببا للاستبداد . معتقدين أن الحزب يعرف الحقيقة المطلقة عما يجب أن يحدث (أي أنه يملك الوعي الطبقي الصحيح) , و من المؤكد أنه لم يضع موضع التنفيذ فقط تلك المهام الضرورية تاريخيا , لقد شعروا أن قتل أو قمع الآخرين هو عمل مبرر – في سبيل التحرر الإنساني بالطبع . في النهاية ظنوا أن كل شيء سيسير على ما يرام في نهاية الأمر .

بالنسبة للاشتراكيين الديمقراطيين , هذه الميكانيكية الفاقدة للحس الأخلاقي تبرر السياسة السلبية اللاثورية . كما قلت فقد بنوا أحزابا سياسية شاركت في الانتخابات , و دعموا نقابات جماهيرية تفاوضت مع رأس المال . لذلك لم يكن لديهم أية إستراتيجية سوى أن يستمروا فقط . في نفس الوقت ارتكبوا فظائعهم الخاصة بدعمهم إمبريالية دولهم . هم أيضا شعروا أن كل شيء سيصبح جيدا في النهاية . هذا القبول بالتطور الرأسمالي , هذه الثقة من أنه سيقود إلى الاشتراكية , قادت الماركسيين لقبول جوانب أخرى من الرأسمالية . مثلا جرت الموافقة على التكنولوجيا الرأسمالية المعادية للبيئة , التي صممت لأغرض الاستغلال . و بنفس الطريقة قبلت كل الاتجاهات المركزية في التنظيم الاقتصادي , السياسي و العسكري , تلك التي أدت إلى كوارث إنسانية هائلة .

هذا دون أن ننكر أن هناك اتجاهات فعلية في الرأسمالية تدفع نحو الحرية الاشتراكية , خاصة نضال الطبقة العاملة , كما علم ذلك ماركس . لكن هناك اتجاهات معادية (مثل الاتجاه نحو شراء العمال الأفضل حالا و ميل العمال الذين هم أسوأ حالا لكي يستسلموا) . لا توجد هناك أية ميكانيكية , أو حتمية فيما يتعلق بالثورة الاجتماعية . إن الرأسمالية لن تخلق الاشتراكية لنا .

بعض الماركسيين التحرريين مثل جيمس و دونايفيسكايا و أتباعهما حاولوا تحطيم النسخة الميكانيكية من الماركسية بالعودة إلى فلسفة هيغل . كان هذا طريق مسدود . صحيح أن ديالكتيك هيغل يصور العالم في شكل دينامي , متناقض , مترابط (إيكولوجي غالبا) عوضا عن أن يصوره بشكل ميكانيكي و جامد . لكنه يبقى يرى التاريخ على أنه يسير وفق صيرورة (عملية) أوتوماتيكية تسير نحو غايتها الحتمية . هذه الغاية كانت خلق فلسفة هيغل . إن تنظيم الناشطين لكي يدرسوا بعمق أكبر هذه النسخة السلطوية و شديد الاغتراب عن الواقع (أي جلب هيغل إلى العمال) هو شكل خاص من النخبوية . حرر ماركس نفسه من هيغل و من الخطأ العودة إلى الوراء .

كليفر (الذي لا يشير كثيرا إلى هيغل) يظهر أيضا فشلا مماثلا في التغلب على الميكانيكية الماركسية , حتى عندما يعتقد أنه قد تجاوزها . إنه مثلا يطري على كروبوتكين (كليفر 1993) لأنه كشف أية جوانب من المستقبل قد ظهرت اليوم بالفعل , لأنه يظهر كيف أن القوى الحالية ستصبح هي نفسها المستقبل . على العكس فإنه يرفض خاصة تفسير جورج وودووك بأن كروبوتكين كان قد طرح الأمور كاحتمالات فقط قد تحدث (أو لا) . و وودووك يرفض تحليلا ينصب على ما يجب أن يكون عليه المستقبل . عوضا عن ذلك يركز كروبوتكين كليفر على الأشياء في الحاضر التي ستتطور كقانون و بشكل مؤكد إلى اللاسلطوية (الأناركية) الشيوعية .

من المثير للاهتمام أن هذا الجانب بالتحديد في كروبوتكين كان هو الذي انتقده مالاتيستا . مالاتيستا , اللاسلطوي (الأناركي) الإيطالي الكبير كتب كتابه ذكريات و نقد لصديق قديمكإحياء لذكرى كروبوتكين . إن خطأيكروبوتكين الأساسيين اللذين انتقدهما مالاتيستا بشكل خاص كانا الجبرية الميكانيكيةو تفاؤله المفرط” . يشير مالاتيستا إلى أن هذه الأخطاء قد قادت إلى خيانة كروبوتكين للاسلطوية (الأناركية) عندما دعم الحلفاء الغربيين في الحرب العالمية الأولى (كان يفترض أن الألمان يعيقون التطور الأوتوماتيكي للتعاون و الاتحاد الحر في شعوب الحلفاء) . كليفر لا يذكر هذا , رغم أن هذا صحيح أيضا بالنسبة لكل المعجبين بكروبوتكين .

الآلية الميكانيكية للماركسيين التحرريين لا تمر عبر مفهوم الحزب فقط , بل أيضا في رؤيتهم للجماهير . فهم واثقون من أن العمال في نهاية المطاف سيدفعون الأمور في الاتجاه الصحيح . أظهر التحرريون تقديرا قليلا لوعي العمال المختلط (الهجين) المتأثر بالهجوم المتواصل لوسائل الإعلام الجماهيرية . إنهم ينكرون الحاجة للتنظم كي يناضلوا ضد القوى المحافظة أو الاشتراكية الديمقراطية أو الستالينية داخل الطبقة العاملة . كماركسيين , فإن دعاة التسيير الذاتي سلبيون أمام قوى التاريخ .

بنفس الطريقة يرفض الشيوعيون المجالسيون فكرة أن الاشتراكية قد تنتصر في الشعوب المضطهدة أو المقهورة , لأنها فقيرة جدا و متأخرة تقنيا لتطور مجتمع الوفرة , الأمر الذي تتطلبه (تشترطه) الاشتراكية (ثم الشيوعية) . لذلك يقبل الشيوعيون المجالسيون الرأسمالية (أو رأسمالية الدولة) على أنها أفضل ما يمكن للشعوب المضطهدة أن تحققه في هذه الفترة . إنهم لا يرون البلدان النيوكولونيالية (الخاضعة للاستعمار الجديد) كجزء من المنظومة الرأسمالية العالمية بحيث أن الثورات العمالية فيها هي جزء ضروري من الثورة الاشتراكية العالمية .

بسبب قبولهم هذا بالميكانيكية الماركسية , فإن الماركسيين التحرريين ضعيفون لسوء الحظ في نفس الجوانب حيث اللاسلطويون ضعيفون أيضا أو ربما أكثر حتى . كان هناك تيار لاسلطوي (أناركي) يدعم بناء منظمات لاسلطوية (أناركية) ثورية يمكن أن تعمل داخل المنظمات الجماهيرية مثل النقابات (لكن ليس فقط فيها) (مالاتيستا , أو حركة ماخنو البرنامجية) . لكن اللينينية كانت قد سببت رضا شديدا عند الماركسيين التحرريين بحيث أنهم قد رفضوا تقريبا كل تنظيم ثوري – ليصبح من المستحيل فهم لماذا ينظمون أنفسهم , إذا فعلوا ذلك . (لكن كاستورياديس كان يقف إلى جانب التنظيم و قد انقسمت مجموعة اشتراكية أو بربرية حول هذه القضية) .

مؤمنين بأن العمال سيجعلون كل شيء ينتهي على نحو جيد في نهاية الأمر , كان الماركسيون التحرريون يميلون لأن يكونوا سلبيين في علاقتهم بقضية الإستراتيجية أو التنظيم . المثال الأكثر غرابة هو تصريح ماركسي التسيير الذاتي الإيطالي أنطونيو نيغري (و مايكل هاردت , 2000) : “ضد الحكمة الشائعة أن البروليتاريا الأمريكية ضعيفة بسبب تمثيلها الضعيف الحزبي و النقابي مقارنة بأوروبا ربما يجب أن نراها قوية لنفس الأسباب تحديدا . لا تكمن قوة الطبقة العاملة في المؤسسات التمثيلية بل في مقاومة و استقلال العمال أنفسهم” (ص 269) . بهذه الحجة يفترض أن التراجع المخيف في عدد النقابات في الولايات المتحدة و انتصارات مناصري (فكرة و تنظيم) النقابات , قد جعلت العمال الأمريكان أكثر قوة . عندما تتعرض النقابات للتدمير أن يكون العمال في أقوى وضع على الإطلاق ! لماذا يعمل الرأسماليون إذن على هزيمة النقابات ؟

كان الشيوعيون المجالسيون على حق ضد لينين في معارضة دولة الحزب و في تفضيلهم منظومة المجالس . لكن هذا لا يثبت (يبرهن) أنهم كانوا محقين في أمور أخرى , خاصة في دفاع لينين عن المرونة التكتيكية و الإستراتيجية . كانوا على حق ضد لينين عندما عارضوا الانتخابية لكنهم كانوا مخطئين عندما عارضوا المشاركة في النقابات . أنا لا أجادل في هذا الآن لكن فقط أشير إلى أنه لا توجد صلة ضرورية بين كل قضية . يجب أن ينظر فيها كلا على حدة .

لذلك فإن الماركسية التي تدعو إلى التسيير الذاتي ضعيفة في نفس الجوانب التي فيها اللاسلطوية (الأناركية) ضعيفة . إنها لا ترى الحاجة للتنظيم الذاتي للثوريين . إنها جامدة إستراتيجيا , خاصة في معارضتها العمل داخل النقابات , المنظمات الجماهيرية الأساسية للطبقة العاملة . و لم تكن قادرة على تجاوز نقاط الضعف الرئيسية في الماركسية , خاصة ميكانيكية النظرة الماركسية للتاريخ .

هناك الكثير في الماركسية التي يمكن البحث فيها من قبل اللاسلطويين (الأناركيين) . تظهر الماركسية خاصة الرابطة بين تطور الرأسمالية و تطور الطبقة العاملة القادرة على النشاط الذاتي , و التحرك نحو مجتمع اشتراكي ثوري . لكن الماركسية كماركسية ليست فقط مجموعة أفكار , يمكن أن تؤخذ أو تترك أجزاءها . لقد أريد لها أن تكون ككل , كرؤية عالمية شاملة لطبقة جديدة . إنها تتضمن اقتصاد (تحليل القيمة) , إستراتيجية سياسية (انتخابية) , و طريقة للتحليل الاجتماعي (المادية التاريخية) و فلسفة الطبيعة (المادية الديالكتيكية) – كل شيء إلا الأخلاق أو رؤية أخلاقية . إنها إما أن تقف أو أن تتداعى أجزاء . كما تبين (الآن) أن الماركسية لم تكن برنامج الطبقة العاملة , كما أريد لها , بل برنامج الطبقة الحاكمة في رأسمالية الدولة .

بطريقة ما فإنها قابلة للمقارنة مع الليبرالية . فقد جاء الكثير من اللاسلطوية من الليبرالية الكلاسيكية . يتفق اللاسلطويون (الأناركيون) مع الأفكار الليبرالية لحرية التعبير , حرية التجمع , التعددية , الفدرالية , الديمقراطية , و حق تقرير المصير . لكن الليبرالية اليوم هي الوجه اليساري للرأسمالية الإمبريالية و نحن لسنا ليبراليين بالتأكيد ! أيضا بينما يمكن اكتساب الكثير من الماركسية , فإن الاشتراكيين الذين يعتقدون بالتحرر هم أحسن حالا إذا كانوا لاسلطويين (أناركيين) .

نقلا عن //libcom.org/library/libertarian-marxisms-relation.anarchism

سيرة حياة بعض الشخصيات المذكورة في المقال

واين برايس : لاسلطوي أمريكي , انتقل من التروتسكية إلى اللاسلطوية . عضو المنظمة اللاسلطوية الأناركية الشيوعية في أمريكا الشمالية NEFAC

بول غودمان (1911 – 1972) سوسيولوجي و شاعر و كاتب أمريكي كان ناشطا في اليسار المناهض للحرب في الستينيات و لعبت أفكاره دورا في حركة الطلاب في الستينيات .

س ل ر جيمس (1901 – 1989) صحافي و منظر اشتراكي من ترينداد , لعب دورا هاما في الفكر الاشتراكي التحرري في بريطانيا و أمريكا . أسس مع دونايفسكايا تيار جونسون فوريست الذي انشق عن التروتسكية (كان لقبه جونسون أما فوريست فكانت دونايفسكايا نفسها) .

رايا دونايفيسكايا (1910 – 1987) كانت سكرتيرة تروتسكي قبل أن تنفصل عنه , و تعتبر من المفكرين الماركسيين الإنسانيين .

أنطونيو نيغري (ولد 1933) فيلسوف و مفكر ماركسي إيطالي , يعتبر من أهم المفكرين الماركسيين الداعين للتسيير الذاتي , لوحق في السبعينيات بتهمة عضوية الألوية الحمراء و عاش في المنفى في فرنسا , يعيش و يدرس حاليا في إيطاليا .

هاري كليفر : أستاذ مساعد في الاقتصاد في جامعة تكساس حيث يدرس الماركسية و الاقتصاد الماركسي . يعتبر من الماركسيين الداعين إلى التسيير الذاتي , ينشط حاليا مع حركة الزاباتيستا التحررية في المكسيك .

جورج وودووك (1921 – 1995) كاتب و مؤرخ كندي لاسلطوي (أناركي) .

بيتر كروبوتكين (1842 – 1921) أمير بالوراثة , عالم حيوان و جغرافي , يعتبر من أهم منظري اللاسلطوية (الأناركية) الشيوعية .

إيريكو مالاتيستا (1853 – 1932) لا سلطوي (أناركي) شيوعي إيطالي , شارك في العديد من الانتفاضات و في إصدار العديد من الصحف اللاسلطوية (الأناركية) , و سجن و نفي مرارا , قضى السنوات الأخيرة من حياته في الإقامة الجبرية تحت حكم الديكتاتور الفاشي موسوليني .

نستور ماخنو (1888 – 1934) لا سلطوي (أناركي) شيوعي أوكراني , نظم جيش الفلاحين الثوري اللاسلطوي (الأناركي) الذي واجه القوميين الأوكرانيين و الغزاة الألمان و النمساويين و أحيانا الجيش الأحمر نفسه مدافعا عن الكومونات الحرة في الريف الأوكراني , اضطر للجوء إلى المنفى عام 1921 بعد أن أعدم الجيش الأحمر و التشيكا الكثير من قادة جيشه , ساهم في كتابة مشروع برنامج الاتحاد العام للشيوعيين التحرريين عام 1926 و الذي يشكل أساس التيار اللاسلطوي (الأناركي) البرنامجي . توفي في باريس بمرض السل عام 1934 .

Leave a Reply